السبت، 18 أبريل 2009

المغرب و اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل.

مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل، والتي يرى الكثيرون أنها ستكون حاسمة في رسم خريطة سياسية جديدة في المغرب، تعيش الأحزاب المغربية بمختلف تلويناتها حمى الانتخابات وتتسابق من أجل الظفر بأصوات الناخبين التي ستجعلها في صدر المشهد الحزبي.

بيد أن المثير، هو أنه في الوقت الذي ينشغل فيه ما يربو عن 34 حزبا سياسيا برسم خرائط طرق موصلة إلى قبة البرلمان، اختارت فعاليات إسلامية ويسارية وأمازيغية مقاطعة الانتخابات وشحذ همم مريديها من أجل تحقيق ذلك، بعد أن لم تجد في "اللعبة الانتخابية" ما يغريهم بها.

وفيما تتوجه الأنظار إلى حزب العدالة والتنمية، الذي تبشره استطلاعات الرأي الأمريكية بالفوز بما يناهز 47 % من أصوات الناخبين ولا يخفي قادته طموحهم بتولي حكومة ما بعد انتخابات سبتمبر/ أيلول ، تبقى جماعة العدل والإحسان التي تعد أكبر تنظيم إسلامي بالمغرب، مصرة على رفض المشاركة في اللعبة الانتخابية.

ويقول عبد الواحد المتوكل، الأمين العام للدائرة السياسية للجماعة، في تصريحات ل"الوطن العربي":" إننا في العدل والإحسان لا نكترث بهذا العبث إطلاقا وحتى الدعوة إلى مقاطعة هذه الانتخابات هو شرف لها لا تستحقه منا. لذلك نحن نعتبرها عدما ووقتنا أثمن من أن نضيعه في الانشغال فيما لا يفيد وفيما أصبح غالبية المغاربة لا يكترثون به ولا يثقون فيه ولا يأملون منه أي شيء".

ويتميز موقف الجماعة، التي شكلت على مدى السنوات الأخيرة قوة سياسية لا يستهان بها، من الانتخابات المتلاحقة التي عرفها المغرب، بالرفض والمقاطعة في ظل ما تسميه بالشروط القائمة، ولم يسبق أن شاركت في أي انتخابات تشريعية، سواء من خلال لوائح حزبية أو عن طريق المستقلين.

ويبدو، أن للجماعة المحظورة في ما درجت عليه من مقاطعة مآرب أخرى. فدعوة أتباعها إلى رفض التسجيل في اللوائح الانتخابية والتعبئة للمقاطعة خلال الاقتراع، برأي متابعين، رهان استراتيجي تروم من وراءه سحب المشروعية من النظام من جهة، ومن جهة أخرى الانتصار على خصومها السياسيين )إسلاميي الانتخابات (خاصة وأنها تعتبر إدماج جزء من الإسلاميين في اللعبة الانتخابية تكتيكا من المخزن لامتصاص الجماعة المعارضة ووضعها بين خيارين: العزلة أو الاندماج في قواعد اللعبة. من هنا ترى الجماعة في انخفاض نسب المشاركة في يوم الاقتراع انتصارا على تكتيك المخزن وعلى منافسها حزب العدالة والتنمية.

وبالنسبة لأمين العام للدائرة السياسية، التي تشكل حسب المتتبعين حزبا احتياطيا لجماعة عبد السلام ياسين، فإن الحديث عن الانتخابات في المغرب في ظل الظروف الراهنة التي يتحكم فيها المخزن في الشاذة والفاذة، هو تسمية للأشياء بغير مسمياتها الحقيقية على حد تعبيره. ويتابع موضحا موقف جماعته :" عن أي انتخابات يتحدثون؟ وهل تتوفر على أدنى الشروط المطلوبة حتى تحظى بشرف ذلك الاسم؟ هل يمكن أن نتحدث عن انتخابات والكل يعلم أن كل الإجراءات قد اتُّخذت من أجل التحكم الكامل في نتائجها، من التقطيع الانتخابي إلى إعلان النتائج ومرورا بالقوانين والحملات الانتخابية وانتهاء بطبيعة المؤسسات التي ستفرزها؟ هل يمكن أن نتحدث عن انتخابات حقيقية إذا كان بعض المسؤولين قد صرح علنا بأنه لن تكون هناك مفاجآت وأن أقوى حزب لا يمكن –نظرا للميكانيزمات المتخذة- أن يحصل على أكثر من 25% من الأصوات؟ فهذا يدل دلالة واضحة على أن الخريطة السياسية قد تم إعدادها مسبقا بإحكام وأنها ستكون مفتتة كما كانت، إن لم تكن أشد، لتبقى الكلمة الأولى والأخيرة للسلطات المخزنية الحاكمة، ولتبقى المؤسسات التي ستفرزها هذه الانتخابات مجرد أشباح لا حول لها ولا قوة ولا لون ولا طعم".

رهان خاسر

مثلما اختارت جماعة العدل والإحسان آخر التنظيمات الإسلامية السير على نهج مقاطعة الانتخابات، اختار حزب النهج الديمقراطي أن يبقى كآخر تنظيمات اليسار خارج اللعبة الانتخابية بعد أن تخلى حليفه حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي عن رفضه السابق لأي مشاركة في المؤسسات "المنتخبة"، والذي امتد لأزيد من 30 عاما، ليقرر المشاركة في انتخابات 2007.

ويقول عبد الله الحريف، الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي، في تصريحات ل"الوطن العربي":" لا نرى أي تغيير في الوضع السياسي يجعل من مشاركتنا في انتخابات سبتمبر المقبل ذات أثر ايجابي على تغيير الأوضاع بشكل ملموس بالنسبة لأغلبية الجماهير الشعبية. فالبرلمان سلطاته محدودة وهو أقرب إلى غرفة تسجيل منه إلى سلطة تشريعية حقيقية تأخذ المبادرة لطرح مشاريع القوانين والتوجهات والسياسات. والأمر ذاته، ينطبق على وزراء الأحزاب المشاركة في الحكومة، الذين لا يعدوا أن يكونوا سوى موظفين مقارنة مع وزراء السيادة الذين يعينهم الملك ويستمدون سلطاتهم من القصر مباشرة".

ومنذ ظهوره في أواسط التسعينيات، ظل موقف حزب النهج الديمقراطي هو الرفض والدعوة إلى المقاطعة، حجته الرئيسة في ذلك الطبيعة اللاديمقراطية للنظام الذي ينظمها. موقف جدده الأمين العام للنهج الديمقراطي عبد الله الحريف بمناسبة افتتاح المؤتمر الاستثنائي يوم الأحد 8 يوليو/ تموز الماضي.

ويعتبر الحريف المشاركة في الانتخابات رهانا خاسرا لأن "المستفيد من الديمقراطية الآن هو النظام للمزيد من تكريس شرعيته، والكتلة الطبقية السائدة والمتحكمة في الحكومة والبرلمان والتي هي، على كل حال، حليفة الامبريالية وتوجهاتها".

ويدافع الحريف عن موقف مقاطعة الانتخابات بحجج منها:" إدراكنا أن إمكانات العمل من خلال المؤسسة التشريعية وإظهار مواقفنا ستكون ضعيفة وغير ذات أثر نظرا لأن وسائل الإعلام السمعي البصري تتحكم فيها السلطة التي تقصينا من الولوج إليها فيما تفتح الباب على مصراعيه لأتباعها يدعونا إلى المقاطعة".

وفي المقابل، يؤكد الحريف أن المجهود الأساسي ينبغي أن ينصب على" إعداد ذواتنا قبل التوجه إلى المشاركة في الانتخابات التي تبقى عملا فوقيا، وأن أعمالا من قبيل المساهمة في النضالات وتوسيع هامش الحريات وحقوق الإنسان ودعم الحركات المناضلة ضد الغلاء وارتفاع الأسعار والعمل اليومي والكفاحي مع الجماهير، هي الكفيلة بالضغط على البرلمان ودفعه إلى اتخاذ قرارات في صالح الجماهير لا التواجد داخله".

ويضيف في تصريحات ل"الوطن العربي" أن الصراع يتعين أن يتوجه إلى الارتباط أكثر بالجماهير لطرح قضايا أساسية تهم التقدم الفعلي على مستوى البناء الديمقراطي وتغيير الدستور والقوانين الانتخابية وتفكيك المافيا المخزنية التي تكونت خلال عهد الحسن الثاني واستفادت من موقعها في السلطة لقمع المواطنين ولمراكمة الثروات بدون حسيب أو رقيب.. وهي تتحكم الآن في المؤسسات عبر أحزاب مصطنعة.

مقامرة خطيرة

الطرف الأخير في التيار المقاطع للانتخابات هو الحزب الديمقراطي الأمازيغي الذي قرر مجلسه الوطني المنعقد يوم 6 مايو/ أيار المنصرم بالرباط، مقاطعة الانتخابات التشريعية ل 2007. لكن ما الأسباب التي دعت الحزب، الذي يقدمه البعض على أنه مخرج الحركة الأمازيغية من وراء ستار الخطابات المطلبية والتحركات النخبوية المحدودة ليدخلها في صلب العمل السياسي الميداني، إلى إعلان مقاطعته لاستحقاقات سبتمبر/ أيلول القادم؟

ثمة اعتبارات عدة، حسب البيان الصادر عن المجلس الوطني، دعت الحزب الحديث النشأة إلى اتخاذ قرار المقاطعة، يأتي في مقدمتها: " غياب الاعتراف الدستوري بالهوية واللغة الأمازيغية واستمرار أسلوب الإقصاء الممنهج الذي تتعاطى به الدولة المغربية مع المطالب المشروعة للشعب الأمازيغي، إضافة إلى انعدام الشروط الأساسية لضمان منافسة شريفة وانتخابات نزيهة بين مختلف الأحزاب السياسية، كما يتأسس موقف الحزب على استمرار حصار وتضييق الدولة على الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي وتجاهلها لوجوده في الساحة السياسية المغربية".

ويقول مولاي باجي، نائب الأمين العام للحزب الديمقراطي، ل"الوطن العربي":"كفاعلين أمازيغيين، لا نراهن على هذه الانتخابات لتحقيق مطالب الحركة الأمازيغية ، فالشرط الدستوري لا يساوم عليه أحد، إلا من سفه نفسه، ومادام التعديل في هذا المستوى غير مطروح في أجندة المتنافسين على السلطة، فإنه من السابق لأوانه التكهن بانفراج سياسي يعطي للأمازيغية شرعيتها الدستورية في أسمى قانون للبلاد".

ويعتبر نائب الحزب الديمقراطي الأمازيغي الإقدام على المشاركة في تشريعيات 2007 مقامرة خطيرة على حياة التنظيم ، واستصدارا لموقف مجاني من أجل مغازلة المخزن فقط.

ويبرر باجي موقف حزبه بالقول "كل ديمقراطي حقيقي يبحث عن الشفافية ، وتفعيل المؤسسات التشريعية والقضائية وفصل السلط وتفعيل دور البرلمان في صنع القرار، إلا ويرى استحالة توفر مناخ سياسي مناسب للتنافس الشريف في الانتخابات المقبلة. كما أن ما ستسفر عنه نتائجها، لن يكون سوى مسرح لكل من يبحث له عن موضع. ويضيف: الفاعل الأمازيغي، كسائر الفاعلين الديمقراطيين، وقع في حيرة من أمره , فقد طال انتظاره مدة طويلة لإيجاد مناخ سياسي ديمقراطي لطرح الأمازيغية سياسيا، خصوصا وأن القناعة ترسخت لدى جميع الفاعلين الأمازيغيين حول تسييس القضية الأمازيغية بعدما اتضح لهم أن وضعها في غير الأولويات، جعل المخزن يستغلها كورقة لاختراق كافة الحقل الاجتماعي ، خصوصا عند أولئك الذين قامت إيديولوجياتهم على نقيض الأمازيغية".

امتداد لمقاطعات سابقة

من جانبه، يؤكد عبد المالك أحرزير أستاذ العلوم السياسية أن الإعلان عن مقاطعة الانتخابات التشريعية ل 7 سبتمبر/ أيلول من طرف بعض مكونات اليسار وفعاليات إسلامية وأمازيغية يستند بالأساس إلى الممارسات والاختلالات التي عرفتها الانتخابات السابقة. فهذه القوى تعتبر تزوير الانتخابات في كل الاستحقاقات السابقة مكرا سياسيا، والمساهمة تعني لهم التستر على الفساد كنمط لتدبير الشأن العام. ولذلك لا ترغب في المساهمة - كما تقول تقاريرها السياسية- في خلق مؤسسات تحافظ على الطابع المخزني، كما أنهم لا يعولون على المنظومة الدستورية الحالية التي تعتبرها هذه الفعاليات دستورا ممنوحا.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية دعوات مقاطعة الانتخابات التشريعية امتدادا لمقاطعات سابقة اتخذتها قوى اليسار منذ الستينيات والسبعينيات، ولكن السؤال الذي يثار، حسب أحرزير، هو: ما تأثيرها على المشهد السياسي وعلى الرأي العام؟

تأثير المقاطعة

ردا عن هذا التساؤل، يقول أحرزير: هذه النخبة الحزبية تمثل أقلية داخل المشهد السياسي وبدون تأثير كبير على القاعدة الناخبة، لأن المنظومة المذهبية لدى هذه النخبة تبقى حكرا على المثقفين. وحتى قوى اليسار التي قررت المشاركة في الاستحقاقات المقبلة، وأعني بذلك التحالف اليساري بين أحزاب الطليعة والمؤتمر الاشتراكي الموحد. فرغم الحرص على أن تعطي لمكاتب فروع الأحزاب المتحالفة صلاحية رفض أي مرشح تثبت في شأنه ممارسات فاسدة. فالذي يشغل الرأي العام والأغلبية الساحقة من المواطنين هو البطالة وغلاء المعيشة والفقر.

ويرى دعاة مقاطعة الانتخابات الذين تفرقهم الايدولوجيا والبرامج السياسية وتجمعهم الدعوة إلى المقاطعة، في امتناع المواطنين عن التصويت، دليلا على تأثير وصواب دعوتهم وتعزيزا لموقفهم. يقول الأمين العام للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان: ألا يكفي أنه بالرغم من الأموال الطائلة التي تصرف والحملات الإعلامية الواسعة التي تقوم بها السلطات المخزنية الحاكمة من أجل إرجاع الثقة إلى الناس في العملية الانتخابية، فإنها لم تؤد إلى نتيجة. ألا يكفي أن غالبية الشعب المغربي عازف عن هذه الانتخابات ولم يعد يثق في الطبقة السياسية ولا في المهرجانات الفلكلورية التي تقام بهذه المناسبة. قل لي بربك هل هذه القطيعة الحادة والتي تزداد عمقا واتساعا بين الحاكمين والأحزاب التي تدور في فلكهم وبين عامة الشعب ليس لها أثر لها على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المغرب؟

في السياق ذاته، يرفض عبد الله الحريف الأمين العام للنهج الديمقراطي القول بضعف تأثير دعوات المقاطعين للانتخابات، ويقول: بالرغم من عدم مشاركتنا في الانتخابات لدينا تأثير. فبفضل نضالاتنا والتحامنا بالجماهير استطعنا، في بعض الأحيان، تعطيل بعض القرارات وتحقيق مكتسبات، رغم محدوديتها، في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وفي المجال الاجتماعي.

ويضيف: تتساءل عن تأثير دعوتنا إلى مقاطعة الانتخابات، وأتساءل بدوري: هل للأحزاب المشاركة في الانتخابات أي تأثير على نسب المشاركة؟ فعلى الرغم من استخدام الدولة للتلفزيون وللإدارة ورجالاتها والإشهار، إلا أن المسجل هو عزوف المواطنين عن التسجيل في اللوائح الانتخابية. كما أتساءل هل يمتلك المنتخبون الفائزون في الانتخابات أي تأثير على المشهد السياسي المغربي؟ أستطيع أن أجيب بالنفي لسبب بسيط هوان من يرسم السياسات والتوجهات ويتحكم في كل قواعد اللعبة هو القصر.

عادل نجدي- الرباط

مجلة"الوطن العربي" عدد رقم:1588/ 8 غشت 2007



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق