إن أخطر ما يواجه الأسرة المسلمة تلك المحاولات التغريبية الخبيثة التي تعمل وتجنّد كلّ طاقاتها لهدم الأسرة المسلمة، وإبعادها عن طريق الإسلام وتعاليمه ومعتقداته، تريد أن ترميَ بها في مستنقعات الرذيلة والفساد.
فأصبح قادة ذلك الفكر الهدام يركزون جهدهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية وخاصة التلفاز، فذاك أكثر تأثيرًا في النفوس، وأكثر هيمنة على العقول، وهو الضيف الذي يقتحم البيوت بدون استئذان، فاستطاعوا أن يصلوا إلى مبتغاهم، فأصبحت وسائل الإعلام في كثير من الأقطار الإسلامية والعربية في حال لا يرضي الله - عز وجل -، وذلك من خلال ما يقدمه مِن نشر ألوان الفساد والانحلال من المسلسلات الماجنة والأغاني والمشاهد الساقطة، وعرض الأزياء الفاضحة، إلى غير ذلك مما تعلمون وتشاهدون وتقرؤون عنه.
ولكن في الوقت الذي تعاني فيه الأمة انتكاسةً في القيَم والمُثل وتتجرع مرارة الانحراف والتفكك، في الوقت الذي تتذوّق فيه الأمة كافة أنواع الهزائم النفسية والاقتصادية والسياسية، في الوقت الذي يُشن على الأمة حربٌ لا هوادة فيها، في هذا الوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى إعلام موجه، فإذا بوسائل الإعلام موجَّهة لا موجِّهة، فأصبحت أجهزة الإعلام تشنّ على الأمة حربًا تهدف إلى هزيمة الأمة أخلاقيًا، تريد أن تقضي على ما تبقّى من أخلاق أبناء الأمة، فظهرت قنوات فضائية تبثّ على الهواء فضائح أخلاقية، جاءت هذه القنوات للطعن في ذلك الجسد الجريح، جاءت تجهز على ذلك الجرح النازف الدامي، جاءت تلك القنوات الفاجرة لتعزف وترقص على جراحات الأمة ومآسيها التي نراها في أقطار الإسلام.
فما أن تخرج الأمة من محنة حتى يشعل لها أعداؤها فتنة ومحنة أخرى، ولقد ظهر مؤخرًا ما يسمى بـ"ستار أكاديمي"، وهو برنامج خبيث يتنافس فيه شبان وشابات، يتنافسون على الرقص والغناء، يتنافسون على التخنث والبغاء، يتنافسون على إسقاط الفضيلة والحياء ونشر الرذيلة، ثم يصوَّت لساقط أو ساقطة من المتنافسين من كافة أقطار العالم العربي والإسلامي، يصوّت له ليفوز بالجائزة.
ذلك البرنامج الفاسد الذي باركه أعداء الأمة، ورأوا أنه برنامج يحفز على التعايش مع العرب، رأوا فيه الأمل في إيجاد جيل مسلم متسامح مع أعدائه، رأوا أنه يساعد على نسيان قضية مقدَّساتهم وأراضيهم المغتصبة، وقد أظهر هذا البرنامج أمورًا خطيرة جدًّا، من ذلك سفاهة وسذاجة الإعلام العربي في كثير من البلاد العربية، وذلك من خلال اهتمامة بذلك الحدث من خلال إعلاناته ودعايته وترويجه لذلك البرنامج من خلال وسائل الإعلام، والاهتمام بذلك البرنامج الفاضح من خلال مطالبته للشعوب بالتصويت لصالح الشباب أو الشابات، والاتصال من أقطار شتى للإدلاء بالأصوات، وترشيح أحد الساقطين أو الساقطات، متناسيًا ذلك الإعلام دوره في رقي الأمة والنهوض بها من كبوتها التي طالت، نسي أو تناسى دوره في الاهتمام بقضايا الأمة وقضايا الشعوب، فألغت بعض أجهزة الإعلام برامجها العامة والهامة لتقييم المهرجانات في الحدائق العامة وفي الشوارع والميادين والمنتزهات وفي المدن والمحافظات. واستحدثت شاشات عرض كبيرة في الميادين والمنتزهات، وذلك لحشد التأييد والمساندة لرمز وطنهم كما يزعمون، لتلك الساقطة أو لتأييد ذلك الساقط.
تناسى الإعلام أزمات الشعوب وقضايا الأمة المصيرية، تناسوا هموم الأمة وما تعانيه من أزمات ونكبات، فأصبح الهمّ هو حشد الأصوات لترشيح ذلك الصوت الذي يحرك الأوساط رقصًا ويهزّ الرؤوس طربًا لاختيار ذلك القوام الرشيق والقدّ الفاتن. فبدلاً من أن يكون الإعلام أداة بناءةً للأمة أصبح معولَ هدم لها.
لقد أظهر ذلك البرنامج والذي لاقى رواجًا كبيرًا في بلاد الإسلام، أظهر وبيّن دناءة الهمم وسخافة العقول ووضاعة الاهتمامات عند كثير من أبناء الأمة، حتى تناسى أبناؤها همومها وقضاياها، وظهر في إحصائيات عديدة أن المشاركين في التصويت للترشيح في هذا البرنامج فاق عشرات الملايين أكثر من ثمانين مليون اتصال، من مختلف الأقطار العربية تصوّت للساقطين والساقطات، تصوّت لنشر الرذيلة وقتل الفضيلة.
إحصائيات مبكية، والمبكي المحزن والذي يُبكي القلوب قبل العيون أن قضايا الأمة المصيرية التي تواجهها والتي فيها إبادة شعوبها واغتصاب أراضيها واستباحة مقدساتها وانتهاك أعراضها وسلب أموالها لا نرى من أجهزة الإعلام ذلك الاهتمام وذلك الزخم الإعلامي الذي وجده ذلك البرنامج، هل تصدّقون أن التصويت على قضية مصيرية للأمة على وثيقة الاعتراض على الحرب على أفغانستان في مجلس الأمن لم يتجاوز أربعة ملايين صوت من جميع الأقطار العربية مقابل أكثر من 80 مليون صوت يرشحون أهل العهر والفساد؟!
برنامج ساقط يبثّ التفاهة والسفاهة، وينشر الرذيلة، ويصوّت عليه أكثر من ثمانين مليونا، وقضية مصيرية للأمة لا يتجاوز التصويت على الاعتراض على إبادة ذلك الشعب المسلم لا يتجاوز أربعة ملايين.
ذلك البرنامج أظهر سخافة وانحطاط أجهزة الإعلام وانحرافها ودناءتها في كثير من البلدان.
أصبح يحاكي ما يراه في الغرب، وينقل ما لديهم من تخلّف وخبث وخلاعة وفجور إلى شعوبه المسلمة. أصبح الجهاز الإعلامي المتفتّح لا يميز بين الفضيلة والرذيلة أو بالأصح لا يفرق بينهما، أصبح موجَّها من أساتذته في الغرب، و صدق: (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) .
والعجيب أن هناك من المسؤولين الكبار في بعض تلك الدول التي شاركت في ذلك البرنامج وفي تلك المهزلة، من المسؤولين من يتحمّس لذلك البرنامج، بل ويحمّس مواطنية للتصويت لصالح مواطنيهم المشاركين، ثم بعد فوز تلك الساقطة يشاركون شعوبهم، ولكن ليس في معاناتهم أو قضاياهم الهامة، فقد تناسوا ذلك وضيّعوا تلك الأمانة، بل يشاركونهم في أفراحهم، فيتصلون بتلك الساقطة مباركين ومهنئين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وجدير إذا الليوث تولّت *** أن يليَ ساحها جموع الثعالب
ويا للعار، إنهم يعبثون بالأخلاق، يعبثون بأخلاق أبناء الأمة، يعبثون بأخلاق بنات الأمة، ويستمر اعتكافهم على ذلك المجون في ذلك المكان والتصوير مستمر كذلك طيلة مكوثهم اعتكافهم لمدة ثلاثة أشهر، إنّ شريعة الإسلام لا تعرف من الاعتكاف إلا ما عرفته عن نبيها حيث كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وفعل ذلك الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم تبعهم الصالحون إلى هذا اليوم، وهو انقطاع العبد عن الدنيا وشواغلها في بيت من بيوت الله، ويتفرغ لعبادة ربه تبارك وتعالى، أما ما يشاهد من خلال هذه القناة الخبيثة فهو اعتكاف على حرام، اعتكاف على عبث أخلاقي، عبث من أبناء الأمة وبنات الأمة، يعتكفون أشهرًا في مثل هذا المستنقع، والذين لا يشاركون يعكفون على مشاهدة هذه المهزلة بالساعات والساعات.
لقد انتشر هذا البلاء، فأصبح همّ الكثيرين مشاهدة ما يحدث كل يوم لفلان أو فلانة، كيف كانت حركاته وحركاتها، كيف كانت رقصاتهم وسهرتهم وغنائهم، ولا يقتصر الأمر كما تظنون في مشاهدته على الشباب فقط أو الشابات، بل إنه لمختلف المراحل العمرية، تحرص على مشاهدة هذا الدمار وهذا العار، فأصبح الكثير من الشابات يتابعن بلهفة عجيبة ما يحدث يوميًا في تلك القناة، ويتمنين أن يكنّ مثل تلك الفتاة، ويتمنين أن تتاح لهن الفرصة للمشاركة وللغناء والرقص وإقامة العلاقات المحرمة مع أشباه الرجال، مع الحرص على التصويت للشبان، وكذلك الحال بالنسبة للشباب.
فأين أنتم أيها الآباء والأمهات؟ اتقوا الله - عز وجل - ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم.
إن ما يبث عبر هذه القنوات الفضائية أمرٌ خطير، حرب على العقيدة وعلى الأخلاق. إنهم يعبثون بالأخلاق ويدمرون العقيدة.
إن ما يحدث ـ أيها الفضلاء ـ عبث بأخلاق الأمة، يعلّمون الفتيات أصول العهر والفجور والبغاء بالمجّان وعلى الهواء مباشرة، والشباب يتعلمون كيف يتخنّثون نزّه الله أسماعكم، إنها الحقيقة المرة.
إنها حرب على العفاف وهدم للحياء وسحق للفضيلة والقيم الطيبة، إنها إبادة للمعتقدات وهدم للأخلاق والشمائل الحميدة، إنها حرب على الطيبين والطيبات، حرب على المسلمين والمسلمات، إنهم يهدفون لذلك كلة، والأمر ليس للتهوين من أمر الاختلاط فحسب، بل إنهم يريدون أن يجعلوا من الاختلاط المحرم أمرًا طبيعيًا يجب أن يعيشه الشبان والشابات فيزرعونه في قلوبهم ونفوسهم.
أسأل الله - عز وجل - أن يحفظنا وأعراضنا والمسلمين، ويردنا جميعًا إليه ردًا جميلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق